بينما تنشغل القوى الكبرى بإعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط وآسيا، تشق إيران طريقًا آخر بعيدًا عن الأضواء، في عمق أمريكا الجنوبية. التحالف المتنامي بين طهران ولا باز لم يعد مجرد تعاون بين دولتين تبحثان عن بدائل اقتصادية، بل أصبح – في نظر الكثيرين – تحديًا جيوسياسيًا لواشنطن ونفوذها التقليدي في نصف الكرة الغربي. في هذا المقال، نحلل أبعاد هذا التحالف من منظور استراتيجي، ونتناول التداعيات الأمنية والدبلوماسية التي قد تُعيد رسم موازين القوى في أمريكا اللاتينية، وسط تزايد الانقسام الإقليمي وتراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض إرادتها التقليدية.
تحالف غير تقليدي يتحدى التوقعات
وشهدت العلاقات بين الجمهورية
الإسلامية الإيرانية ودولة بوليفيا متعددة القوميات تطورًا لافتًا خلال العقدين
الأخيرين، في مجالات استراتيجية تشمل الأمن والدفاع والاقتصاد. غير أن هذا التقارب الذي
بدا غير متوقع في جغرافيته وسياقه السياسي، بات يثير تساؤلات حول نوايا الطرفين،
خاصة في ظل تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن، والقلق الأمريكي المستمر من التمدد
الإيراني في المجال الحيوي التقليدي للولايات المتحدة: أمريكا اللاتينية.
من طهران إلى لاباز –
الأساس التاريخي لعلاقة استراتيجية
وبدأت ملامح هذا التحالف تتبلور عام 2007، مع تقارب أيديولوجي بين الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس ونظيره الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد. وقد عكس هذا التحالف توجهًا واضحًا لدى الطرفين لمقاومة "الهيمنة الغربية"، حيث وُقّعت اتفاقيات تعاون في قطاعات حيوية كالصحة والطاقة والتعدين. ومن أبرز الأمثلة على هذا التعاون مشروع مشترك لإنتاج الإنسولين في بوليفيا، وهو ما يُعد سابقة في التعاون الجنوبي-الجنوبي، ويُبرز كيف يمكن لعلاقة سياسية أن تنتج أبعادًا تنموية ملموسة.
اللافت في هذا السياق هو الحضور
الدبلوماسي الكثيف لإيران في بوليفيا، الذي يفوق – من حيث عدد البعثات والموظفين –
حجم التمثيل في بعض الدول ذات الوزن الاقتصادي الأكبر. وهذا مؤشر على الأهمية
الاستراتيجية الخاصة التي توليها طهران لهذا البلد الواقع في قلب أمريكا الجنوبية.
الأمن الإقليمي تحت
المجهر – بين الوقائع والمخاوف
يُنظر إلى العلاقة الإيرانية-البوليفية بعين الريبة من قبل عدة أطراف إقليمية ودولية، خاصة في ظل تقارير تشير إلى وجود نشاط غير رسمي أو غير قانوني لجماعات مرتبطة بإيران – كحزب الله – في مناطق مثل الحدود الثلاثية (بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي)، وهي بؤرة معروفة تاريخيًا للتهريب وتبييض الأموال. وتزيد من تعقيد الصورة المعلومات المتعلقة بتعاون دفاعي يشمل تكنولوجيا الطائرات المسيرة (الدرونز) ومعدات المراقبة، ما يعزز المخاوف من إمكانية تغيير توازنات القوة المحلية، أو حتى تحويل بوليفيا إلى منصة نفوذ إيرانية في نصف الكرة الغربي.
رد الولايات المتحدة –
إدارة ترامب ومبدأ المواجهة المباشرة
تبنّت إدارة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية نهجًا أكثر صرامة تجاه ما اعتبرته تهديدات "للسيادة الأمريكية" في مجال نفوذها التقليدي. وفي هذا الإطار، كانت العلاقات الإيرانية-البوليفية مصدر قلق متزايد، ضمن استراتيجية أوسع شملت كبح نفوذ الصين وروسيا أيضًا في المنطقة. و مارست إدارة ترامب ضغوطًا دبلوماسية على لاباز، ولوّحت بإمكانية فرض عقوبات اقتصادية إضافية، ضمن سياسة "الضغط الأقصى" على إيران وحلفائها. لكن بوليفيا، مدفوعةً برؤية استقلالية، تمسكت بحقها السيادي في تحديد تحالفاتها الخارجية، مما أدى إلى توتر دبلوماسي مفتوح، وإن كان منخفض الحدة.
ردود أفعال إقليمية
متباينة – أمن مقابل سيادة
أثارت هذه العلاقة الاستراتيجية
انقسامًا في المواقف الإقليمية:
- الأرجنتين والبرازيل عبّرتا صراحة عن
قلقهما، خاصة من احتمالات تسرب النفوذ الإيراني عبر الحدود المشتركة، وقامتا
بتعزيز التدابير الأمنية.
- في
المقابل، رأت بعض الدول أن لبوليفيا الحق في اختيار شركائها، ما دامت تلك
الشراكات تتم ضمن الأطر السيادية والدولية.
لا شك في أن المشهد يعكس التوتر القائم بين
مبدأ السيادة
الوطنية واعتبارات الأمن الإقليمي،
وهي معادلة معقدة في سياق سياسي هش يشهد تغيرًا مستمرًا في التحالفات.
نحو إعادة تعريف
التوازنات الإقليمية
ان العلاقة بين إيران وبوليفيا لم تعد
مجرد تعاون ثنائي، بل تحوّلت إلى ملف جيوسياسي له أبعاد أمنية واستراتيجية تتجاوز
الحدود الوطنية. وهي تُبرز سؤالًا محوريًا:
إلى أي مدى يمكن للدول الصغيرة
والمتوسطة أن تُعيد رسم خريطة التحالفات الدولية، بعيدًا عن المحاور التقليدية؟
بين سياسة "أمريكا
أولًا" التي تبنّاها ترامب، ورغبة بوليفيا في بناء نموذج تنموي مستقل، تتكشّف
ديناميكيات جديدة لعالم يتغير بسرعة. في هذا الإطار، على الولايات المتحدة أن تعيد
النظر في أدوات سياستها الخارجية، لتنتقل من منطق الردع
والمواجهة إلى منطق الشراكة والتوازن،
إذا أرادت أن تحافظ على نفوذها في نصف الكرة الغربي.
#إيران_بوليفيا
#العلاقات_الإيرانية_اللاتينية
#النفوذ_الإيراني
#السياسة_الخارجية_الأمريكية
#أمريكا_اللاتينية_وإيران
#ترامب_والأمن_الإقليمي
#التوترات_الجيوسياسية
#إيران_في_أمريكا_اللاتينية
#تحليل_جيوسياسي
#سيادة_أمريكا_اللاتينية
#تحالفات_جديدة
#إيران_والدرونز
#بوليفيا_وإيران
#التهديدات_الإقليمية
#حزب_الله_في_المنطقة
#التحدي_الإيراني_لواشنطن
#هل_إيران_تهدد_المنطقة؟
#رأيكم_في_تحالف_إيران_بوليفيا
#هل_ترد_أمريكا؟
#النفوذ_الإيراني_يتوسع
0 تعليقات
كل التعليقات تعبر عن رأي صاحبها وليست لها علاقة بموقع المكسيك بالعربي