كود اعلان

مساحة اعلانية احترافية

آخر المواضيع

دلالات وابعاد افتتاح الاجتماع الرابع لوزراء منتدى الصين– وسيلاك الجزء الثاني


السيادة، عدم التدخل و"الجنوب العالمي": مفاتيح خطاب شي وتردّد صداه في أمريكا اللاتينية


اتسم خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في الاجتماع الوزاري الرابع بين الصين ومجموعة سيلاك بمفاهيم تُحاكي بعمق الخيال السياسي في أمريكا اللاتينية: "السيادة"، "الاستقلال الوطني"، "رفض التدخلات الخارجية"، والانتماء إلى "الجنوب العالمي" الذي يتقاسم الحقوق والطموحات. هذه المفاهيم ليست مجرد شعارات بلاغية، بل تشكل عناصر مركزية في السردية التي تسعى الصين من خلالها إلى ترسيخ مكانتها كشريك مفضل وقيادة بديلة في نظام عالمي آخذ في إعادة التشكل. إن تحليل هذه العناصر ضروري لفهم الاستراتيجية الصينية وتداعياتها المحتملة على أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وأصرّ شي على أن "الصين تدعم الدول في هذه المنطقة في دفاعها عن سيادتها واستقلالها الوطني" وفي اتباع "مسار تنمية يتناسب مع ظروفها الوطنية"، وهو تصريح يلامس وتراً حساساً في أمريكا اللاتينية. فقد شهدت المنطقة تاريخاً طويلاً من التدخلات المباشرة وغير المباشرة من قبل قوى خارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، كما تُظهر الأمثلة الموثقة في تشيلي (1964، 1970-73)، غواتيمالا (1954)، وحتى إيطاليا (1948، رغم أنها خارج المنطقة، فإنها توضح أسلوباً شائعاً آنذاك). تأتي وعود الصين ببناء علاقة قائمة على احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية كطرح مناقض لهذا الإرث التاريخي، مقدمة نفسها كفاعل مختلف لا يفرض نماذج سياسية أو شروطاً أيديولوجية مقابل التعاون الاقتصادي. ويتعمق هذا الخطاب عبر تذكير شي بالدعم التاريخي الذي قدمته الصين لقضايا أمريكا اللاتينية، مثل دعم السيادة البنمية على قناة بنما، والدفاع عن حدود الـ200 ميل البحرية، والتصويت المتكرر في الأمم المتحدة ضد الحصار المفروض على كوبا. هذه الإشارات تهدف إلى بناء سردية قائمة على التضامن التاريخي والتقارب في الدفاع عن حقوق الدول النامية. وقد فصّل الوثيق المذكور  كيف قدّم شي هذه المواقف كدليل على التزام حقيقي بسيادة المنطقة. ويُعدّ مفهوم "الجنوب العالمي" ركناً أساسياً آخر في الخطاب. حين أكد شي أن الصين وأمريكا اللاتينية "عضوان مهمان في الجنوب العالمي" يجب أن "يبقيا موحدين في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، والصراعات بين التكتلات"، وفي مواجهة "الأحادية والحمائية"، فإنه يضع هذه العلاقة في سياق إعادة توازن القوى العالمية.



 لا يظهر "الجنوب العالمي" هنا كمجرد تصنيف جغرافي أو اقتصادي، بل كفاعل سياسي له أجندة موحدة: السعي نحو "التنمية والنهضة" باعتبارها "حقوقاً أصيلة"، و"العدالة والإنصاف" كـ"تطلعات مشتركة". تسعى هذه الرؤية إلى توحيد الدول النامية تحت مظلة مصالح مشتركة، حيث تطرح الصين نفسها كمدافع عن هذه الطموحات في الساحة الدولية ومروّجة لـ"تعددية الأقطاب" و"إصلاح نظام الحوكمة العالمية". وترتبط دعوة الصين لـ"عدم التدخل" بشكل مباشر مع دعمها لحق الدول في اتباع نماذج تنموية خاصة بها. فالصين، بنموذجها الخاص لـ"الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، تؤيد حق كل دولة في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي بعيداً عن الإملاءات الخارجية. ويشكّل هذا الطرح جاذبية خاصة لحكومات ذات توجهات أيديولوجية متنوعة في أمريكا اللاتينية تسعى إلى بدائل عن وصفات صندوق النقد الدولي أو الضغوط القادمة من واشنطن. ومع ذلك، يكمُن انتقاد ضمني لهذا الطرح – سيتم تناوله لاحقاً – وهو ما إذا كانت التبعية الاقتصادية المتزايدة للصين وطبيعة استثماراتها وقروضها قد تولّد أشكالاً جديدة من الشروط أو النفوذ، وإن كانت تختلف عن التقليدية.

 

ومن الجدير بالذكر أن خطاب شي لا يقتصر على البلاغة. فقد أعلن عن "خمسة برامج" (التضامن، التنمية، الأمن، الحضارة، والحوكمة العالمية) تهدف إلى تجسيد هذه الرؤية. فعلى سبيل المثال، يتضمن برنامج التضامن دعماً متبادلاً في "المصالح الأساسية"، ودعوة لـ300 عضو من أحزاب سيلاك لزيارة الصين سنوياً لـ"تبادل الخبرات في مجال الحوكمة". ورغم تقديمه كنوع من التبادل بين نظراء، إلا أنه يمكن اعتباره أيضاً وسيلة لترويج النموذج الصيني في الحكم وبناء تقارب سياسي مع دول المنطقة. أما برنامج التنمية، الذي يركز على مبادرة الحزام والطريق والتعاون في المجالات التقليدية والناشئة (من البنية التحتية إلى الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس)، فهو الأداة الرئيسة لتوسيع الحضور الاقتصادي الصيني، والذي يشكّل حجر الزاوية لنفوذها، كما تشير تقارير من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنشورات تحليلية أخرى. ويعد الوعد بـ"التحدث بصوت واحد في الشؤون الدولية والإقليمية" و"الدفاع الحازم عن النظام الدولي بقيادة الأمم المتحدة" جزءاً مهماً من الرسالة. تسعى الصين إلى تقديم نفسها كمدافع عن التعددية، ولكن عن تعددية تعكس مصالح الجنوب العالمي وتتماشى مع نظام عالمي متعدد الأقطاب. وهذا يضعها في موقع تنافسي مع النظام الليبرالي المهيمن منذ نهاية الحرب الباردة، وتُعتبر أمريكا اللاتينية شريكاً محورياً في هذا التوجه.

ختاماً، فإن تركيز شي جين بينغ على السيادة، وعدم التدخل، والجنوب العالمي يمثل عرضاً سياسياً واستراتيجياً محسوباً بعناية لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. وهو يتناغم مع التجارب التاريخية وتطلعات الاستقلال الذاتي في المنطقة، بينما يخدم في الوقت نفسه المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للصين. ويبقى السؤال الجوهري – الذي سيتم تناوله في الأقسام اللاحقة – هو:

كيف تُترجم هذه المبادئ على أرض الواقع؟ وما هي الكُلفة والمكاسب الحقيقية للدول اللاتينية من تعميق تحالفها مع العملاق الآسيوي في هذا السياق العالمي الجديد؟

 

تابعونا...

 

#الصين

#شي_جين_بينغ

#السياسة_الخارجية_الصينية

#الصين_وأمريكا_اللاتينية

#الجنوب_العالمي

#عالم_متعدد_الأقطاب

#النفوذ_الصيني

#الحزام_والطريق

#CELAC2025

#العلاقات_الدولية

#الصين_في_أمريكا_اللاتينية

#التنمية_في_الجنوب

#الاستقلال_السياسي

#سيادة_الدول

#عدم_التدخل

#التعاون_الجنوب_الجنوب

#البديل_الآسيوي

#مستقبل_الجنوب

#السيادة

#العدالة_الدولية

#الشراكة_الاستراتيجية

#النظام_العالمي_الجديد

#التحول_الجيوسياسي

#الاستثمارات_الصينية

#التمويل_الدولي

#النموذج_الصيني

#الخطاب_السياسي

 

إرسال تعليق

0 تعليقات

مساحة اعلانية احترافية